القضاء يلاحق الصحفيين.. استدعاء «درج» و«ميغافون» يعيد الجدل حول حرية التعبير في لبنان
تقارير صحفية تتحول إلى اتهامات جنائية
عادت قضية التضييق على وسائل الإعلام في لبنان إلى الواجهة، مع استدعاء منصتي "درج" و"ميغافون" الإخباريتين للمثول أمام القضاء، إثر بلاغ تقدّم به عدد من المحامين يتهم المنصتين بارتكاب جرائم "النيل من مكانة الدولة المالية، وضرب الاستقرار النقدي، والتسبب في انهيار العملة الوطنية، والحصول على تمويل خارجي لقاء هذه الأعمال".
ويستند البلاغ إلى تقارير صحفية نشرتها المنصتان تناولت دور جهات نافذة في تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية وإطالة أمدها، وبينما يعلّق اللبنانيون آمالهم على عهد جديد يصون الحريات ويكافح الفساد، جاءت هذه القضية لتثير المخاوف بشأن مستقبل حرية التعبير والعمل الصحفي في البلاد.
"نحن صحفيون ولسنا متهمين"
وفي حديث لـ"جسور بوست"، أوضحت سكرتيرة التحرير في موقع "درج"، ديانا مقلّد، أن "الممثل القانوني الخاص بالموقع مثَل أمام القضاء بناءً على الاستدعاء المقدم من ثلاثة محامين يتهموننا بالمسؤولية عن الانهيار المالي، وبالترويج ضد الدولة".
وأضافت: "نحن كصحفيين يجب أن نُحال إلى محكمة المطبوعات، ولذلك تحفظنا على المثول كمتهمين أمام القضاء العادي. قدّمنا مذكرة نطلب فيها أن يتم تحويل الملف إلى المحكمة المختصة في حال كان هناك اتهام فعلي يستدعي المحاكمة".
وأشارت مقلد إلى أن الملف لا يزال حاليًا لدى المدعي العام، في انتظار أن يُبتّ في مساره، سواء بحفظه أو بتحويله إلى محكمة المطبوعات.
حملات تشويه متواصلة ضد الإعلام المستقل
وحول الضغوط التي تتعرض لها المنصة، أكدت مقلد: "نواجه حملات ممنهجة من التضليل الإعلامي ونشر الأكاذيب من قبل وسائل إعلام أخرى، ضمن محاولات مستمرة لتشويه عملنا والتشويش على الرأي العام في لبنان".
وأضافت: "لم ترد الجهات التي تناولناها في تقاريرنا بأي ردّ مهني أو رسمي، بل اعتمدوا أسلوب التشويش عبر أدوات إعلامية ذات تمويل أكبر، لكنها تفتقر إلى المصداقية. أما نحن، فنستند إلى عملنا الصحفي الجاد وشفافيتنا".
وأشارت مقلد إلى أن ما يحدث اليوم "غير مسبوق" من حيث مستوى الانحدار الإعلامي واستغلاله من قبل نافذين ومصرفيين، في ما وصفته بـ"حملات ممنهجة تهدف إلى تقويض المسار الإصلاحي والتأثير على الانتخابات المقبلة، التي قد تفتح المجال أمام وجوه جديدة تسعى للإصلاح".
وفي خطوة قانونية لمواجهة الاتهامات، تقدّم المحامي عمر فخر الدين عن موقع "درج"، والمحامية ديالا شحادة عن منصة "ميغافون"، بمذكرة إلى النيابة العامة التمييزية في بيروت منتصف أبريل الجاري، طالبا فيها بتحويل ملف القضية إلى محكمة المطبوعات، باعتبارها الجهة القانونية المختصة بالنظر في قضايا النشر والصحافة.
مخالفات قانونية في إجراءات الاستدعاء
من الناحية القانونية، أشار المحامي فاروق المغربي إلى وجود "مخالفات واضحة" في طريقة التعامل مع القضية، وأوضح لـ"جسور بوست" أن "أولى هذه المخالفات تمثّلت في استدعاء المنصتين عبر الهاتف، في حين أن القانون ينص على ضرورة التبليغ في محل إقامة المدعى عليه".
كما اعتبر أن "النيابات العامة تحاول تجاوز صلاحياتها القانونية، إذ يقتصر دورها على اتخاذ القرار بشأن حفظ الشكوى أو تحويلها إلى القضاء المختص. أما التحقيق، فيجب أن يتم من قبل قاضي تحقيق، ومن دون أي توقيف احتياطي، عكس ما يمكن أن تفعله النيابة العامة".
وأكد المغربي أن "أي متابعة قانونية بحق صحفيين في قضايا نشر يجب أن تتم أمام محكمة المطبوعات، وليس أمام القضاء الجنائي".
العفو الدولية: الدعاوى القضائيةلترهيب الصحفيين
وفي السياق نفسه، أعربت منظمة العفو الدولية عن قلقها من تطورات القضية، معتبرة أن استدعاء "درج" و"ميغافون" للاستجواب "يكشف عن استعداد السلطات للسماح باستخدام الدعاوى القضائية كأداة ترهيب ومضايقة للأصوات الانتقادية"، وشددت على أن "من واجب السلطات حماية حرية الصحافة، وليس تقويضها"، محذّرة من "تصعيد خطِر في استهداف الإعلام المستقل".
ودعت المنظمة إلى "رفض الإخبار فورًا، وضمان قدرة وسائل الإعلام على أداء مهامها بحرية ومن دون خوف من الترهيب أو الملاحقة".
الصحفي يمثل أمام محكمة المطبوعات فقط
من جهتها، شددت أليسار قبيسي، عضو نقابة الصحافة البديلة، على أن "النقابة ما تزال متمسكة بموقفها الرافض لمثول الصحفيين أمام القضاء العادي في لبنان"، مشيرة إلى أن "الصحفي ليس فوق القانون، لكنه يخضع لمحكمة المطبوعات في قضايا النشر، حسب القانون اللبناني".
وأضافت قبيسي في حديث مع "جسور بوست": "خلال مناقشة قانون الإعلام الجديد في لجنة الإدارة والعدل، طالبنا صراحة بإلغاء المواد المرتبطة بالقدح والذم التي تُستخدم لملاحقة الصحفيين، وأصررنا على حذفها".
تراجع في مؤشر حرية الصحافة
يُذكر أن لبنان حلّ في المرتبة 140 من أصل 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2024، ما يعكس تراجعًا مقلقًا في واقع الحريات الإعلامية، في ظل تصاعد الضغوط والملاحقات التي تطول الإعلام المستقل.
حملات مدروسة لتشويه المنصتين
يرى جاد شحرور، المسؤول الإعلامي في مؤسسة سمير قصير، أن القضية أظهرت مدى هشاشة استقلال القضاء في لبنان. وقال لـ"جسور بوست": “القضاء اللبناني اليوم أمام امتحان، فهل هو بصدد أداء شكلي يُغلق الملف لاحقًا، أم أنه بصدد إثبات خضوعه لـ”حزب المصارف؟".
وأشار شحرور إلى أن الاتهامات التي وُجهت إلى "درج" و"ميغافون" مضحكة، لكن التعامل معها بجدية يكشف نية مبيتة لترهيب الإعلام المستقل، وإيهام الرأي العام بأن منصتين فقط مسؤولتان عن الانهيار الاقتصادي في لبنان.
وكشف شحرور عن حملة منظمة جرى تنفيذها عبر مواقع التواصل الاجتماعي عقب نشر تقارير المنصتين، موضحًا أنه "تم إنشاء حسابات وهمية على منصة 'إكس' تنشر نفس المحتوى في توقيتات متزامنة، بهدف خلق سردية تشكك بمصداقية المنصتين".
وتابع: "لو كان لدى المصارف أو وسائل الإعلام الموالية لها أدلة تنقض ما ورد في تقارير المنصتين، لكان من الأسلم مهنيًا أن تواجه المعلومات بالحجج، بدل اللجوء إلى حملات تشويه تنفّذها منصات مشبوهة وحتى قنوات كبرى كـ'إم تي في'".
وسم "الإعلام الممول": حملة منظمة
في هذا السياق، نشرت "درج" تقريرًا يفيد بوجود حملة منظّمة انطلقت بعد نشر تقاريرها، تقف خلفها جهات تجارية خارجية، واستُخدم فيها وسم "#الإعلام_الممول" لاتهام "درج" و"ميغافون" بتلقي تمويل خارجي لهدف "تدمير الاقتصاد اللبناني".
في ظل هذه الأجواء، لا يبدو مستغربًا أن يحلّ لبنان في المرتبة 140 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة لعام 2024، وهو ما يعكس انحدارًا واضحًا في مساحة الحريات، وسط تنامي النفوذ المالي والسياسي على مؤسسات الدولة، بما في ذلك القضاء.